محمد المنى (أبوظبي)
بعد ثلاثة أيام من التصريحات السياسية المتضاربة بشأن نتائج الانتخابات الرئاسية في السنغال، أعلنت اللجنة الوطنية السنغالية للانتخابات فوز الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال بولاية رئاسية جديدة مدتها خمس سنوات، وقالت في مؤتمر صحفي عقدته ظهر أمس الخميس إن صال حصل على نسبة 58% من أصوات المقترعين.
وقد تنافس في هذا الاقتراع الرئاسي، وهو الحادي عشر من نوعه في جمهورية السنغال منذ استقلالها عن فرنسا عام 1960، الرئيس المنتهية ولايته ماكي صال وأربعة مرشحين آخرين، وبلغت نسبة المشاركة فيها نحو 65% ممن يحق لهم التصويت، وعددهم 6.7 مليون سنغالي مسجلين على لوائح الناخبين في 15400 مكتب تصويت، منها 746 مكتباً في الخارج.
ومثلت هذه الانتخابات استمراراً لعقود من الديمقراطية الهادئة والمنضبطة في السنغال، والتي جسّدت استثناءً في منطقة غرب أفريقيا، سواء لجهة الاستقرار السياسي الذي ظلت تنعم به، أو لجهة التزامها الدائم بقواعد التناوب السلمي على السلطة عبر الآليات الديمقراطية الانتخابية. فعلى مدى ستة عقود تعاقب على الحكم في السنغال أربعة رؤساء ينتمون لثلاثة أحزاب سياسية مختلفة، كان أولهم الشاعر ومثقف «الزنوجة» الشهير ليوبولد سينغور الذي قاد حزب «الاتحاد التقدمي السنغالي» وترأس البلاد غداة استقلالها، وبعد تنحيه عن الحكم عام 1980، تم انتخاب نائبه عبده ضيوف ليبقى هو الآخر 20 عاماً في الحكم، قبل أن يطيحه ديمقراطياً السياسي المخضرم والمعارض العنيد وزعيم «الحزب الديمقراطي السنغالي»، عبدالله واد الذي حكم لولايتين رئاسيتين، ثم أطاحت به صناديق الاقتراع لصالح رئيس حكومته السابق ماكي صال الذي انشق عنه ليؤسس ويقود حزب «التحالف من أجل الجمهورية».
وخاض صال انتخابات الأحد وفي جعبته إنجازات على رأسها التعديل الدستوري لعام 2016، والذي يعتبره إضافةً نوعية لصالح الديمقراطية السنغالية، كما يرى أنه حقق خلال الأعوام السبعة الماضية مكاسب قيِّمة، بما في ذلك رفع معدل النمو الاقتصادي، وتحسين الأوضاع الاجتماعية، وتطوير البنية التحتية وتوسيعها.. وهو يَعِد في برنامجه الانتخابي بتطوير الخدمات الاجتماعية وتقليص البطالة والفقر وتجويد النظام التعليمي.
وتعتمد شعبية ماكي صال على حزبه الذي ظل يوسع قاعدة وجوده في أنحاء البلاد، كما استطاع أن يكسب نفوذاً له في أوساط الطرق الصوفية، فضلا عن اعتماده على «الدولة العميقة» بأذرعها البيروقراطية والإدارية والمالية.
ولعل السبب الآخر لتفوق صال وفوزه بانتخابات الأحد الماضي في شوطها الأول، هو محدودية الانتشار الشعبي لمنافسيه الأربعة. فالمتصدر الثاني بعد صال وأقوى منافس له كانَ «إدريسَا سك»، رئيس الوزراء السابق والمنشق هو أيضاً على واد وحزبه، والحاصل على نسبة 20% من الأصوات، واجه مشكلتين رئيستين؛ أولاهما التداعيات السلبية الفادحة لتصريحاته التي أنكر فيها الحجَّ وشكك في موقع مكة المكرمة ومكانتها، وثانيتهما كونه لم يستطع الخروج بشعبيته من إطارها المحلي على مستوى ولاية «تييس» التي يرأس مجلسها الجهوي.
ورغم الإشادات المتكررة بالتجربة السنغالية في مجال الديمقراطية والانتخابات الحرة، فقد بدا للكثيرين أن منع كريم واد (نجل الرئيس السابق عبدالله واد) والخليفة صال (عمدة بلدية دكار المعتقل) من الترشح لانتخابات الرئاسة، مثّل تعسفاً بحق السياسيين الطموحَين، لأسباب ظاهرها قضائي وباطنها سياسي محض يتعلق بإخلاء ساحة السباق لماكي صال.
ورغم ذلك تتصف التجربة السنغالية بدرجة عالية من النضج والديناميكية مقارنةً بباقي دول المنطقة وتجاربها السياسية، فقد سمحت بصعود معارض إلى سدة الحكم مرتين في تاريخها؛ أُولاهما كانت مع «واد» عام 2000، وثانيتهما كانت مع «صال» عام 2012. وكما سمحت برئاسة صال المنتمي لعرقية «البولار» التي تشكل 23% فقط من السكان، فقد سمحت قبل ذلك لسينجور (المسيحي الكاثوليكي) أن يحكم لمدة عشرين عاماً في بلد يشكل المسلمون نسبة 96% من سكانه. وهي الحيوية التي أكدتها مجدداً انتخابات الأحد الماضي، وما طبعها من سلاسة وأجواء تنافسية هادئة، حيث منح الناخبون فيها من شعب «التيرانجا» (حسن الضيافة باللغة الولفية المحلية) مأموريةً ثانية للرئيس صال، ستنتظره خلالها تحديات كثيرة في مقدمتها الوفاء بالوعود غير القليلة لبرنامجه الانتخابي.